عادت وتقاليد متشابهة بين أهل عمان و المغرب
من المقولات العلمية التي تقوم عليها نظريات المؤرخين والسوسيولوجيين والمهتمين بثقافة المجتمعات، أن العادات والتقاليد المشتركة بين بلدين من البلدان لا يمكن أن تولد من فراغ، بل تتأسس في الغالب الأعم من خلال رصيد تراكمي من الارث الحضاري الذي يفرزه واقع الصلات التاريخية المتجذرة بينهما.
من هذا المنظور، نتناول في هذا السطور دراسة بعض العادات والتقاليد المشتركة بين مجتمعين متباعدين جغرافيا،ولكنهما متقاربان في الكثير من العادات والتقاليد ويتعلق الأمر بمجتمعي عملان والمغرب.
أولا: الموجعية التاريخية
من الثابت أن العلاقات العمانية - المغربية - تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، ينهض دليلا على ذلك ما أفصحت عنه النصوص القديمة والحفريات الأثرية. وقد كفتنا الدراسات الحديثة مؤونة تتبع تفاصيل مسار هذه الصلات القديمة اذ أكدت بما لايدع مجالا للشك وجودها بين البلدين منذ الحقب الغابرة
ومع مطلع الاسلام، اتخذت هذه العلاقات بعدا روحيا واجتماعيا عظيم الأهمية، فمنذ انطلاقة الشرارة الأولى للفتوحات الاسلامية، بدأت قبائل قضاعةالعمانية تتوافد على بلاد المغرب للمشاركة في حركة الجهاد ونشر الاسلام ببلاد المغرب. وفي هذا الصدد يزودنا المؤرخ ابن عبدا لحكم بنص هام حول مساهمة ألف وأربعمائة من قضاعة في الفتوحات الاسلامية بالمغرب الأدنى. وعند انتهاء عمليات الفتح، طاب المقام لبعضهم فآثروا المغرب موطنا، واستقروا في بعض حواضره كسجلماسة وتاهرت مما ساهم في خلق امتزاج اجتماعي كان وراء ميلاد عادات وتقاليد عمانية - مغربية مشتركة دون شك.
وبظهور المذهب.الإباضي، تصاعدت وتيرة الصلات التاريخية بين البلدين،وصار عودها أشد ملامة، ولا غرر فقد نشط الدعاة الإبأضيون في بلاد المغرب، وتكثف نشاطهم التدريسي بها حتى أن أحدهم لقب بشيخ المغاربة وبالمثل، ولغرض استيعاب المذهب الإباضي، شد المغاربة الرحال الى عمان أو البصرة التي كانت مدينة عمانية لكثرة التواجد العماني فيها كما يجمع على ذلك الدارسون . وكان من بين أولئك المغاربة، الأقطاب الأوائل الذين تسميهم المصادر بحملة العلم 0 0.وقد تمخض عن هذه العلاقات العلمية نشوء مدرسة عمانية - مغربية لها توجهات فكرية مشتركة أسفرت - ضمن ما أسفرت عنه - عن تأسيس امارات إباضية في بلاد المغرب أفلحت في تمتين العلاقات السياسية بين البلدين
وبالمثل أضافت الرحلات التجارية لبنة أخرى لتدعيم الصلات التاريخية بينهما، اذ يمم التجار الإباضيون وجههم شطر بلاد المغرب لاستثمار عملياتهم التجارية ونوظيفها لدعم نشاط دعاتهم بالمال الحلال. وفي المقابل، حمل التجار المقاربة بضائعهم وسلعهم نحو عمان(7)، مما أسفر عن تنشيه المبادلات بين البلدين.
كما أن رغبة الدعاة الإباضيين في تعريب البربر ونشر الاسلام سلميا بين القبائل الأمازيغية المغربية التي لم يكن الاسلام قد ترسخ فيها بعد، وفي المناطق الجبلية على الخصوص، زاد من تجذر الصلات بين المغرب وعمان.
وفي نفس المنحى، ساهم لقاء المغاربة والعمانيين في مواسم الحج في تفعيل عملية التواصل حيث إن هذه المواسم شكلت مناسبات دينية كان يتم خلالها تجديد أوا هو الصلات الاجتماعية والروحية وعقد لقاءات تستمر أحيانا حتى ما بعد انتهاء أيام الحج. وتعبر كتب الطبقات والسير عن الحجاج الذين يظلون بمكة عقب نهاية موسم الحج باسم "المجاورين ". وكان من بين هؤلاء عدد من المغاربة والعمانيين نذكر من بينهم العالم العماني أبو سفيان محبوب بن الرحيل الذي كان ينصب الخيام لاقامة حجاج عمان والمغرب
يضاف الى ما تقدم مسألة الرحلات مثل الرحلات العلمية والتجارية، جاءت الرحلات الشخصية مثل رحلة ابن بطوطة المغربي الى عمان كلها ساهمت بتعزيز الصله بينهم
العامل التاريخي الذي خلق قاعدة مشتركة للتقاليد العمانية المغربية يكمن في وحدة العرق، اذ أثبتت الدراسات التاريخية أن موطن الأمازيغ (البربر المغاربة ) هو بلاد اليمن قبل أن يهاجروا في تاريخ غير مضبوط الى مصر ومنها الى المغرب. واذا علمنا أن أصل قبائل قضاعة العمانية من اليمن أيضا - كما يجمع على ذلك جمهرة الباحثين - أمكن فهم سر هذا التلاقح والامتزاج في مجال العادات بين البلدين.
ثانيا: عمان والمغرب إطار مشترك للعادات والتقاليد:
بديهي أن يتمخض عن هذا المناخ من التواصل بين العمانيون والمغاربه حتى الوقت الراهن بفضل ما جبل عليه المغاربة والعمانيون من حصر شديد ووفاء مستمر لهويتهم وتراثهم الأصيل.
على محك هذه الرؤية، لم يكن من قبيل الصدفة أن يفطن ابن بطوطة حين زار عمان منذ ستة قرون خلت، الى أوجه الشبه بين العادات المغربية ونظيرتها العمانية. ففي كل مناسبة كان يقف فيها عل هذا الرصيد المشترك، كان يتأمله بعقل الملاحظ الدقيق، والرحالة المتمرس. ومن خلال مشاهداته العميقة وصل الى خلاصة أوجزها في جملة واحدة ولكنها معبرة عن التشابه في النمط الحضاري والعادات والتقاليد بين المجتمع العماني ونظيره المغربي حين قال متحدثا عن أهل ظفار: داوهم أشبه الناس بأهل المغرب في شؤونهم ، وهو نص غني عن كل بيان، ويعكس مدى قدرة الانسان على تجاوز مشكلة بعد المسافات، ذلك أن وجود بلدين أحدهما في أقصى المحيط وآخر في أقصى الخليج لم يحل دون افراز عادات وتقاليد مشتركة. ومن خلال قراءة نصوص رحلته تبرز معالم هذه العادات العمانية - المغربية المشتركة والتي وقف ابن بطوطة على خطوطها العريضة حسب ما يلي:
1- تشابه طريقة تزيين البيوتات أو ما يمكن أن نعبر عنا - "ديكور" المنازل، حيث سجل الرحالة المغربي عادة شاعت لدى العمانيين والمغاربة على السواء، وتتمثل في وضع سجادات على جدران غرفهم لاستعمالها لأداء الصلاة، وفي ذات الوقت جعلوها مظهرا من مظاهر الزينة
وتجميل البيوت). .
1-وضع السجاد على الحائط
2- وفي نفس المنحى يأتي كذلك تزيين جدران المنازل أو المساجد بالقيشاني العماني الذي أكد ابن بطوطة أنه يشبه تماما الزليج المغربي. ويعكس هذا التشابه وحدة الرؤية الفنية لدى المغاربة والعمانيين ولا تزال صناعة الزليج من أهم الصناعات التقليدية بالمغرب حتى الوقت
الراهن(15) والزليج التقليدي نفسه يحمل الشعارات الدينية.
3- التشابه في الأطعمة: وهي ظاهرة أخرى لاحظ ابن بطوطة أنها تشكل قاسما مشتركا بين البلدين، فذكر منها على الخصوص الذرة والأسماك، خاصة سمك السردين والسمك المعروف في عمان باللخم، وهو شبيه بالسمك المسمى في المغرب بحصى اللبان. وقد يكون للجغرافيا دور في هذا التشابه اذ أن كلا من عمان والمغرب يتميزان بسواحل بحرية طويلة، مما يجعل السكان يعتمدون على صيد الأسماك. والمغرب معروف بوفرة سمك السردين على طول سواحله الأطلسية والمتوسطية.
4- التشابه في أسماء الجواري والخدم حيث نقف من خلال كلام ابن بطوطة وكأن المجتمعين العماني والمغربي قد اتفقا. بطريقة عفوية - على تسمية الخدم بأسماء مشتركة
5- التشابه في الكلام الدال على تنبيه المخاطب: وهو ما أشار اليه ابن بطوطة
6- بيد أن أهم أوجه الشبه التي استنبطها ابن بطوطة تتجسد في الأصل العرقي للانسان المغربي والعماني اذ لاحظ - بدقة العالم السوسيولوجي - ان تشابه العادات بين المغاربة والعمانيين تؤيد النظرية الافتراضية القائلة بأن سكان المغرب البربر يرجعون في أصولهم العربية الى قبائل حمير اليمنية التي ينتمي اليها أيضا قضاعة عمان (19). ولعل أهمية هذا الاستنتاج الذي وصل اليه ابن بطوطة يؤكد الوحدة الجنسية للشعبين، ويدحض الافتراءات والمزاعم الباطلة التي روجت لها المدرسة الأوروبية حول الأصل السالتي للبربر المغاربة، ونفي أي حس وطني أو وحدة عرقية لديهم، ساعية بذلك الى طمس الهوية العربية للمغرب، واضفاء المشروعية الحضارية على توجهاتها الاستعماريه
انطلاقا من هذه الوحدة الجنسية، تأتي مشروعية التساؤل الذي طرحه احد الباحثين عن مغزى الشبه بين من يعرفون -"الشحوح " من سكان شمال عمان، و"الشلوح " من سكان الأطلس المتوسط بالمغرب، اذ للطائفتين معا ميزات مشتركة، وان كان هذا الاجتهاد في حاجة الى دراسة سوسيولوجية وتاريخية متعمقة للبرهنة عليه بدقة أكثر.
والراجح أن الظروف التي مر بها ابن بطوطة في عمان لم تسمح له باستقصاء عادات أخرى تدخل في عداد القواسم المشتركة بين العمانيين والمغاربة، ذلك أن اقامته القصيرة فيها لم تمهله الوقت الكافي للوقوف على كل كبيرة وصغيرة. وربما يكون قد اختصر ما لاحظه من أوجه التشابه، شفيعنا في هذا الافتراض قوله أن أهل ظفار "أشبه الناس بأهل المغرب في شؤونهم ". ولعل مصطلح شؤونهم » تجعل الباحث يستنتج أن هذا المعنى الذي جاء في صيغة الجمع يشمل كل أمور الحياة، من بينها ما ذكره بالواضح، ومنها ما سكت عنه باعتبار أنه أمر عادي ومألوف بالنسبة لمجتمعين عربيين اسلاميين.
ونستنتج صله بين المغاربه والعمانية لا تزال ماثلة للعيان الى يومنا هذا، مثل عادة حمل الخناجر الشائعة لدى العمانيين،وهي نفس العادة التي لا تزال موجودة لدى القبائل الضاربة في جنوب المغرب وكذلك الحال بالنسبة للأزياء،فالعباءة الزرقاء والنعال التي يرتديها العمانيون تتماثل والأزياء التي يتميز بها أهل المغرب الجنوبي. أما العمائم التي يلبسها أهل المغرب الشمالي فلشدة تشابهها مع العمائم العمانية ما جعل أحد الدارسين يعبر عنها - وهو محق في ذلك - بأنها "عمانية الشكل
تشابه لهجة أهل ظفار مع نظيرتها المغربية اذ أن المخرجات الصوتية و استعمال المصطلحات العامية تكاد تكون متشابها ، كما يمكن تلمس التماثل في العادات والتقاليد المغربية. العمانية في الفولكلور والرقصات الشعبية خاصة الرقصة المسماة بـ "الكدرة " وهي رقصة تشبه تماما الرقصة التي تؤديها النساء العمانيات في حركاتها مما يحمل على القول أن العادات العمانية والمغربية في الزواج والأفراح والأعياد والمأتم تكاد تكون متطابقة
ويمكن - دون عناء - ملاحظة تشابه أسماء العائلات المغربية والعمانيه فالاسم القبلي لبعض الأسر العمانية يوجد بوفرة في المغرب والعكس صحيح. ونسوق في هذا الصدد بعض الأسماء مثل أسرة الغساني والحارثي والعلوي والزواري والسالمي والراشدي والحميري والشكيلي وغيرها من الأسماء التي تجد صداها في كل من المغرب وعمان بل أن أسرة العزفي التي أسست في مدينة سبتة المغربية امارة قوية تنحدر - اذا صحت فرضيات بعض الدارسين - من اسرة قابوس بن النعمان بن المنذر وبالمقابل لم يكن من قبيل الصدفة - بحكم ارتباط الأندلس بالمغرب وتبعيتها السياسية والحضارية له - ان تنتقل بعض الأسماء العمانية اليها مثل المهلب بن أبي صفرة ويزيد بن المهلب
وبالمثل فان تشابه أسماء بعض المناطق تؤكد مقولة التواصل التاريخي، ففي مسقط مثلا توجد مقاطعة الحميرية، وهو نفس الاسم الذي تحمله أحدى المقاطعات الحميريه مدينه - مكناس المغربيه ويمكن للطوبونيميا - اذا أحسن توظيفها - أن تضيء مساحات كبيرة من هذا الجانب.
منقول