على العاقل أن يقارن بين هلاك هذه السفينة بركابها في أول رحلة لها , كانو يتصورونها أسعد رحلة في العالم ؛ اذ لم يمض لها الا أيام معدودة بأصابع اليد الواحدة ، وبين نجاة طفل من طوفان أغرق المدن و القرى ، و أتى على الألوف المؤلفة من البشر ، فابتلعتهم في جوفة المنهوم، ولم تكن نجاته بسفينة عملاقة ولا قارب صغير ، بل كانت مخدة نوم سبحت به بين الأمواج العاتية ، والأعاصير الهوجاء ، حتى وصلت به بر الأمان سالما غانما ، فان في كل واحد من القصتين عبرة بالغة تفتح بصيرة الانسان لترى يد الله القاهرة تصرف هذا الوجود تصريفا يرتد عنه بصر العقل خاسئا وهو حسير ، فلا يجد الا أن يدرك أن الاسباب و المسببات كلها محكومة بارادة الله ، فلا أثر لسبب على مسببه انها التأثير لمشيئة الله التي تصرف الوجود بها حواه تصريفا خارجا عن سنن الاسباب والمسببات. فعلى هؤلا الذين يجادلون بدون برهان في هذه الحقائق الماثلة للعيان أن يرجعو البصر كرتين ، وأن لا يسلسوا قيادهم للمكابرة و العناد ، فكم أعمى العناد من البصر ، وكم أغلق من بصيرة ، وكم أردى من سالم . يقو الله تعالى ((وكذلك أخذ ربك اذا أخذ القرى وهي ظالمة ان أخذه أليم شديد * ان في ذلك لاية لمن خاف عذاب الاخرة ))